اقرؤوا معي هذا التحليل الراقي عن الحج

حيـاة
الإنسـان... حيـاة أشبـه مـا تكـون بقاعـة مسـرح.... فـي روتيـن الحيـاة
أشاهـد تعاقبـات الليـل والنهـار... حيـث لا هـدف ولا معنـى!!.... أن
افتقـادي للوجهـة الصحيحة يجعـل من ذاتـي روحـًا ميتـة فـي جسـد حـي.....
لمـاذا؟.... لأننـي دائمـًا مـا أحـاول أن أجعـل من هدفـي في الحيـاة..
الحيـاة ذاتـها!!!.... ولذلـك فأنـا كثيـرًا ما استخـف بطوالـع الحيـاة
وإن كنـت "أستعظمها"!!..... وهنـا قـد يكـون سلوكـي فيـها سلـوك سبيـل
متفـرج سلبـي....

والسـؤال هـو: ما العمـل؟.... كيـف أهيـئ نفسـي لأكـون فاعـلا.... وتكـون
لحياتـي معنـى والتـزام؟!!... لا ريـب ان العبـادة المصـداق الأكبـر
لتهيـئة النفـس والضميـر.... العبـادة تجعـلك راقيـًا في أن تنهـض وتتحـرك
بعيـدًا عن أجـواءك الرتيـبة..... والعبـادة هي حيـاة المعنـى ضـد اللامعنـى واللاهـدف!!!!....

والحـج أرقـى مصاديـق العبـادة الكبـرى..... فهـو خـلاص من شبـاك الحيـرة
المعقـدة!!..... للحـج فلسفـة عميقـة لأنـه يربطـك أصوليـًا مع النـاس
الذيـن هـم عبـاد الله.....فحينـما يحـجّ أحـدنا ويذهـب قاصـدا بيـته
المحـرّم فأنـه لا يجـدد عهـده مع الله فحسـب.... وإنمـا مع النـاس
ايضـًا.... لأن معنـى بيـت الله هو "بيـت الناس"..... وتلبيـتك لله بالوحـدانية والصـدق والعفـاف.... هـي معاهـدة رفيـعة مع ذاتـك ومع النـاس!!....

لـذا عليـك أن تنطـلق أيـها الإنسـان..... وأن تخـرج مـن عزلـتك.... وتذهـب
الى الأرض المقدسـة لتلـقي الله تحـت أديـم السمـاء العامـرة
بالإلهـام.... المفعـمة ببركـات الوحـي.... إذهـب إلـى حيـث المشعـر
الحـرام لتهـزم الغربـة التـي تعانيـها.... وأخيـرًا: ستلقـى نفسـك!!.....

أن الله ينتظـرك!!.... هنـاك.... في تـلك الصحـراء.... في ذلـك المنـاخ
الروحانـي.....واستمـع لنـداء إبراهيـم... ابحـث عـن هاجـر هنـاك.....
وابحـث عن روح الله.... لا تبـقَ فـي خربتـك.... حـرر نفسـك من رغباتـك
وأطماعـك التـي تنـأى بـك عـن الله.... وانضـم إلـى الفـوج البشـري الخـالد
المهاجـر إلـى الله في الحـج.... وهنـاك ستلقـى الله!!.....

الحـج لحظـة وداع والتقـاء.... وداع لكـل الأحقـاد والضغائـن.... وهـو
وداع للدنيـا الحاضـرة.... والحـج التقـاء لأنـه رجـوع إلى الله.... وأنـه
التقـاء بخيـرات الكمـال والجـلال.....

في الميقـات يبـدأ العـرض!!..... في هذا الموضـع يجـب علـى الإنسـان أن
يبـدّل ثيابـه؟!!.... لمـاذا؟.... لأن ثيـاب الإنسـان تكسـوه من الخـارج
ماديـًا... كمـا تكسـوه الشخصيـة من الخـارج معنويـًا..... ما تفسيـر
ذلـك؟..... انتـبه جيـدًا: الله تبـارك وتعـالـى يأمرنـا عنـد الميقـات ان
نخلـع ثيابـنا ونرتـدي الكـفن.... القمـاش الأبيـض الخالـص.... هنـا
الثيـاب اصبحـت متشابـهة لكـل فـرد!!.... الكـل سيرتـدي هـذا الكـفن....
السـادة والعبيـد.... الأقويـاء والضعـفاء.... المتخميـن والجائعيـن....
المتحضريـن وغيـر المتحضريـن!!.... ولكـن أيضـًا مـا فلسـفة ذلـك؟.....

كمـا نعلـم أن ملابسـنا تعبّـر عن أنمـاط حياتـنا.... وتميـزنا وتحـدد
طبقتـنا ووجـهة تفكيـرنا..... ممـا يسبـب التفرقـة بيـننا لأنهـا تقيـم
الفواصـل والحـدود!!..... وأكثـر من ذلـك فإن الملابـس تجعـل مفهـوم
"الأنـا" يقتـحم... وليـس مفهـوم "النحـن"!!.... "الأنـا"
تعبـر عن معنـى عنصـري.... مكانتـي.... ولا تعبّـر عـن معنـى باعتبـاري
إنسانًا!!!..... لذلك كـان اختيـار الـزي الموحّـد!!.....

في الحـج لا تكـن مختـالا فخـورًا.... لا تخـدع نفسـك أيـها الإنسـان.....
فلـيس هنـاك نـدًا أو نظيـرًا.... بـل تواضـع وانكمـش واخشـع....
لمـاذا؟.... لأنـك ستلقـى الله!!.....

في الميقـات إنـزع عنـك كـل قنـاع كنـت ترتـديـه في حياتـك اليوميـة....
كـل أقنعـة الوحشيـة والطغيـان والمكـر والخديعـة... وانـزع عنـك "قنـاع
الخـراف"!!...... قنـاع الخنـوع والذلـة..... لـفّ نفسـك بقطعتـين من
القمـاش..... القمـاش الأبيـض الرنـان.... ليـس فيـه خيـوط أو ألـوان....

الحـج أيضـًا " حركـة"... حيـث يقـرر
الإنسـان العـودة إلـى الله ويدفـن كـل أنانيـته وحبـه لذاتـه فـي أرض
الميقـات.... ويشهـد موتـه بنفسـه ويقـف بقدميـه علـى قبـره!!.... يا
للعجـب!!.... هنـا يستحضـر الإنسـان المصيـر الأخيـر لحياتـه.... ويخـوض
تجربـة المـوت في الميقـات!!.... يلـبس الكفـن... ملابـس الإحـرام....
تلـك "قمـاش المـوت"... هي نفسـها "قمـاش الإحـرام"!!!... المشـهد أشبـه
ما يكـون بيـوم الحسـاب!!!.....

إرجـع البصـر مرتـين وثـلاث وأربـع مـاذا تـرى؟!!.... جحافـل تتـدفق
كالطوفـان من اللـون الأبيـض!.... كـل النـاس يرتـدون الكفـن!.... لا
تميـيز بينـهم ولا صـورة تفرقهـم عن بعضـهم.... السبب؟.... لأن الأجسـاد
تُركـت في أرض الميقـات... والروح وحدهـا هي التـي تنـدفع هنـا!!!... الأجسـاد المختلفـة تُركـت هنـاك... بينـما بيـقت الارواح لأنـها متشابـهة!!.....

استعـراض بشـري عظيـم خاضـع لله تعالـى.... لا أسمـاء أو أعـراف أو مـراتـب
اجتماعيـة تخـرق هـذا التضامـن العظيـم!!.... في هـذه الأرض الجـرداء
القاحـلة تتلاشـى كـل الأمـم والعشائـر في قبيلـة واحـدة ووفـد واحـد
يستقـبل القبـلة الواحـدة.....

الكـل اصبـح "إنسـان" كـما خلقـه الله!..... كـل "أنـا" تمـوت في أرض
الميعـاد لتـنشأ "نحـن"!!.... الواحـد أصبـح أمـة.... والأمـة هـي
الواحـد... والجميـع يشـبه الجمـيع!..... لقـد تحـول مجتمـع الشـرك إلـى
مجتـمع التوحيـد..... كـل هـؤلاء قـد أتـاح لهـم الحـج أن يكتشفـوا
ذواتـهم..... فهـم الآن يـرون بعضـهم بعضـًا مجتمعـين كأنـهم واحـد!!!...
أو يـرى كـل واحـد منهـم الآخـر منفـردًا.... كـل واحـد إنسـان ولا شـيء
غيـر ذلـك!!.....
منقول

بدوري اشكر كاتب هذه الاسطر الرائعة المعبرة

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» الحج والمرأة القدوة
» النص الفلسفي والقولة الفلسفية منهجية التحليل
» 3 أجزاء راائعة من كتاب مسائل في التحليل الرياضي
» الحج :: أحكام + فلاش + توجيه + فيديو + مواقع ::